دعه ينهب‏..‏ دعه يهرب‏!‏

في أقل من أسبوع واحد‏,‏ نشر تصريحان جديران بالتوقف عندهما‏:‏ الأول للدكتور علي الدين هلال أمين الإعلام بالحزب الوطني‏‏ كانت جميع التصريحات الحكومية المتعلقة بالأسعار تقول‏:‏ كل شهر سيشهد انخفاضا تدريجيا في مستوي الأسعار‏,‏ وهذا حدث في العالم الخارجي بدرجة ضخمة‏,‏ وكل التقارير التي تأتينا تؤكد انهيارا في الأسعار‏,‏ لكن ذلك لم يحدث في مصر‏,‏ بل إن الأسعار ترتفع‏,‏ لذلك أنا سألت كمواطن وكحزبي فسمعت إجابات تتعلق بالمخزون الموجود لدي التجار بالأسعار القديمة ولابد أن يتخلصوا منه ويجب أن ننتظر‏,‏ ولكن الانتظار طال والسعر ارتفع وفقا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء‏..‏ أعتقد أن هناك خطأ يحدث ويحتاج إلي تدخل من الحكومة‏..‏ أنا لا أريد أن أحكم وأتهم التجار بالجشع إنما أؤكد أن هناك حاجة غلط تحتاج إلي توضيح من المسئولين‏).‏ أما التصريح الثاني فهو للدكتور مصطفي الفقي رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشعب في لقائه مع المصريين المقيمين في بريطانيا‏,‏ لقد ذكر د‏.‏ الفقي أن نسبة نمو الاقتصاد في مصر بلغت‏7%,‏ ولما سأله الحاضرون‏:‏ إذن لماذا لم يستفد منه كل المصريين؟‏.‏ أقر د‏.‏ الفقي بأن أغنياء مصر يزدادون ثراء بينما
يزداد فقراؤها فقرا‏,‏ والسبب حسب تفسيره هو تزاوج السلطة والثروة‏,‏ فهذا أدي إلي الفساد وحرمان الفقراء من الاستفادة من تحسن الاقتصاد وإلي أن يتجاوز بعض رجال الأعمال المدي‏.‏

بعد تحية واجبة للرجلين ـ وهما من رموز الحزب الوطني ـ علي شجاعتهما‏..‏ لنا بعض الملاحظات نوجزها فيما يلي‏:‏

أولا‏:‏ إن هذين التصريحين يؤكدان بما لا يدع مجالا للشك أن ثمة خطأ تجب مواجهته فيما يتعلق بانفلات الأسعار وغياب عدالة توزيع الدخل‏,‏ وهي حقيقة جلية بعيدة كل البعد عن ثقافة جلد الذات أو المعارضة من أجل المعارضة‏,‏ لأن التصريحين صادران عن رمزين لهما وزنهما من رموز الحزب الحاكم‏.‏

ثانيا‏:‏ لعل شجاعة التصريحين تتأتي من كونهما تعبيرا عن الحقيقة التي يغفل أو إن شئت الدقة يتغافل عنها مسئولون كثيرون‏,‏ بل إن بعضهم ما فتأوا يدلون بتصريحات وردية تبرر ولا تفسر وتتقاطع مع الحقيقة ولا تعلنها إن لم تكن في واقع الأمر افتئاتا علي الحقيقة نفسها‏.‏

ثالثا‏:‏ أن ما يدعيه التجار من وجود مخزون لديهم اشتروه بالأسعار القديمة ولابد أن يتخلصوا منه أولا قبل أن يبيعوا بالأسعار المنخفضة‏..‏ هو قول مردود عليه بأن الأسعار حين ترتفع يقوم هؤلاء التجار أنفسهم برفع الأسعار دون ترديد لهذه المقولة المراوغة التي لا تعبر عن الواقع‏.‏

رابعا‏:‏ إن جشع بعض التجار وبعض رجال الأعمال‏,‏ قد تجاوز المدي ولابد من وقفة حاسمة من الحكومة إزاء هذا التجاوز‏,‏ لاسيما أنها ـ أي الحكومة ـ قدمت تسهيلات لا نهائية لهؤلاء‏.‏

خامسا‏:‏ لا أحد بالقطع ضد أن يحقق التجار ورجال الأعمال أرباحا عادلة لأنهم أصحاب مشروعات تجارية تستهدف أساسا تحقيق الربح وهي ليست بجمعيات خيرية‏..‏ هذا مفهوم‏,‏ وهذا حقهم بالشرع والقانون‏,‏ ولكن هناك فرقا بين الربح والجشع‏..‏ حسبنا أن نعلم أن بعض التجار طالبوا الدولة بفرض رسم إغراق علي بعض السلع المستوردة التي تتميز بالجودة الأعلي والسعر الأقل‏,‏ وذلك بدعوي حماية المنتج المحلي‏..‏ بيد أنهم لما اطمأنوا إلي عدم وجود منافسة لسلعهم‏,‏ رفعوا أسعارها بشكل جذري ومستفز ليحققوا أرباحا خيالية وصلت إلي‏400%(‏ نعم أربعمائة‏%)!!‏

سادسا‏:‏ ليس معني الأخذ بنظام اقتصاد السوق أن نترك الحبل علي الغارب ليتحول المستهلك‏(‏ بكسر اللام‏)‏ إلي مستهلك‏(‏ بفتح اللام‏)..‏ هناك فرق لا ريب بين شعار اقتصاد السوق الشهير‏(‏ دعه يعمل‏..‏ دعه يمر‏)‏ وبين شعار يرفعه البعض وهو‏(‏ دعه ينهب‏..‏ دعه يهرب‏).‏ إن آدم سميث أحد أكبر الاقتصاديين الغربيين الذين فسروا ونظروا لاقتصاد السوق‏,‏ شدد علي أهمية وجود دولة قوية قادرة علي وضع قواعد اقتصاد السوق ورقابتها والإشراف عليها والتدخل عند الضرورة لمنع الانحرافات‏.‏ ومن مقولاته‏‏ قلما يجتمع رجال الأعمال للهو أو المرح دون أن يتآمروا لاستغلال المستهلكين ورفع الأسعار‏)!!.‏

د‏.‏ محمد محمود يوسف
أستاذ بزراعة الإسكندرية