كلما يهلُّ هلال رمضان، أحنُّ لأجوائه أيام زمان، وأتنهّد قائلة: "يا ترى، كيف سيكون هذه السنة؟" أحنُّ لأجواء الطفولة واجتماعنا على الفطور، والجميع يدعو ويستغفر ونحن ننتظر سماع الأذان حتى ننقضّ على الطعام، على الرغم من اليوم الطويل – أكل ومرعى وقلة صنعة - لكننا نتظاهر وقت الفطور بأننا جوعى وعطشى.
أحنُّ لأجواء رمضان سابقاً، أحنّ لذلك الوجه البشوش، أحن لأبي - رحمه الله - الذي كان يشعرني بلذة ورائحة رمضان، كنت أجلس في حجره وقت الفطور، لقمة له ولقمة لي، لا يأكل إلا إذا كنت موجودة، كان يقطّع لي اللحم قطعاً صغيرةً حتى يسهّل علي أكلها، ويقول لي تذوقي هذه التبولة، إن طعمها حامض كما تحبينه، وتذوقي هذا، بل هيا لنأكل هذا، ويطعمني بيديه إن قلت إنني شبعت.
أحنُّ لأجواء السحور، تلك الأجواء الإيمانية، نتسحر على الروب والأرز اللين، ثم نصلي في الحوش، لأننا لا نحب الاعتكاف في الغرف، وأركض جالبة سجّادتي وأفرشها معه، يدعو أبي الله ويبكي، وأنا لا أعلم لماذا يبكي، فقط أدعو "يارب استجب لأبي".
وعندما كبرت، لم يتغير شيء أبداً، يبحث عني ويناديني لأجلس بجانبه، ولقمة لي ولقمة له، فمازلت ابنته الصغيرة التي تصرخ وتبكي وتتلوّى من قرصة نملة وهو يضحك ويقول: "ناس تقطّعت ريولهم في الحرب ولا صاحوا"، فمسحت دموعي وتظاهرت بأنني قوية أمامه ولم أتألم من قرصة السمسوم، على الرغم من دموعي التي تخذلني أمامه فيضحك أكثر ويضمني قائلاً: "أيتها القوية الشقية". وعند الفجر، نصلي معاً، هو أمامي وأنا خلفه، ندعو معا ونلحُّ بالدعاء.
وهكذا رمضان، يأتي ويذهب، فأحنُّ لتلك الطفولة الرائعة، ولتلك الأجواء الجميلة الرمضانية، وأحن إليك يا أبي وأبكي أكثر، كلما رأيت ابنة يداعب أبوها رأسها ويقتسم اللقيمات بينها وبينه
بقلم عفراء الكتبي - الشارقة
|