الكذبة الكبري‏!‏

يعتبر كشف فضيحة برنارد مادوف ضربة قاضية في آخر شهر من ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش‏,‏ تكشفت ابعاد قضية‏,‏ عندما اعترف برنارد مادوف أن مؤسسته المالية كذبة‏,‏ وهو مايعني انهيار استثمارات‏,‏ وتلاشي سيولة نقدية قدرها خمسون مليار دولار كان يديرها مادوف من خلال مؤسسته المالية لضمان الاستثمارات‏,‏ وهو مايعني أيضا إفلاس عملائه الذين استأمنوه علي استثمار أموالهم بفائدة ثابتة‏10‏ ـ‏12%,‏ والمثير أن غالبية ضحاياه من اليهود السوبر أثرياء من دعاة العولمة التحرريين‏,‏وهذا يعني ـ بالتالي ـ ضعف تأثير‏52‏ مؤسسة يهودية ـ أمريكية كبري في بوسطن ولوس إنجلوس ونيويورك وأماكن أخري‏,‏ وإفلاس تحالف كلينتون‏/‏ شومر ممثل الجناح العسكري للحزب الديمقراطي الداعم بلا شروط لإسرائيل‏,‏ بما سيؤدي بالضرورة إلي فتح نقاش موسع في الكونجرس لنقض أساسيات السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط‏.‏ إن أخطر نتائج النصبة الخداعية الكبري ـ التي مارسها برنارد مادوف طوال ثمان وأربعين عاما ـ هي انهيار قيم الثقافة الرأسمالية الحرة التي تسيطر علي قمة هرم التركيبة الاقتصادية ـ الأمريكية‏,‏ وأثبتت ـ فعلا لاقولا ـ إنه اقتصاد من ورق يقوم علي استثمارات مبهمة تتم بوسائل معقدة وتعتمد جميعها علي وسائل الإيهام‏,‏ وأنها لاتنتج سلعا أو خدمات‏,‏ وإنما هي مجرد رهانات علي نمو قيمة أوراق مالية يتم تسويقها من خلال شركة ضمان وهمية لمشترين يطمعون في تحقيق مكاسب هائلة في المستقبل تعوضهم بسخاء عما دفعوه نقدا ومقدما في شرائها‏.‏ لقد كان توالي الانهيارات في بنية هيكل الرأسمالية هو السبب الرئيسي لكشف اكذوبة النظام القائم علي الفساد‏,‏ حيث تقوم السلطة التنفيذية باختيار من يراقبها وتعيينه أو إقالته وفقا لمدي تعاونه في المراقبة‏!!‏ ويتم تدريب المراقبين علي تجاهل إشارات الخلل والانحراف وتحاشي التشدد في ضبط المخالفات وحتي لاتعوق في مسيرة الاستثمار لقد اتضح أن السبب الأكبر لفضيحة مادوف هو ممارسته العمل بأساليب سوق المال الأمريكي وول ستريت‏.‏ وهي‏:‏ إسباغ الحصانة علي كبار النصابين الذين يقومون بالسرقات الكبري‏,‏ وإعطاء الجوائز الكبري لمن يتقن التلاعب بالأنظمة‏,‏ ويجيد تغطية أوراقه‏,‏ وحرص الضحايا الذين سلموا أموالهم للنصاب علي عدم مقاضاته‏,‏ بل ويرجونه الستر عليهم لعدم فضح غفلتهم‏,‏ ومن شاع اسمه انتحر‏!‏ إنها الهشاشة الوهمية لسوق المال الورقي فلقد استطاع أحد أفراد المجموعة توجيه أكبر ضربة ضد زملائه اساطين رأس مال العالم‏,‏ فقوض نظام وول ستريت‏,‏ وسلب أدوات اللوبي الصهيوني بما يوجب إعادة ترتيب الأجندة الإسرائيلية‏,‏ وهي نتائج فشلت في تحقيقها التحالفات الاشتراكية خلال أكثر من نصف قرن‏,‏ وأهمها النجاح في تقليص الفوارق الهائلة بين ثروات سكان نيويورك الذي فشل فيه جميع رؤساء بلدياتها من البيض أو السود‏,‏ ومن المسيحيين واليهود والإصلاحين ومن الجمهوريين والديمقراطيين خلال القرنين الأخيرين‏.‏ ومن المضحك ان بعض المنظرين يروجون لنظرية المؤامرة‏,‏ فيقولون ان برنارد اليهودي القح عميل فلسطيني سري من منظمة حماس وإنه خطط لتخريب الأسس المالية لدولة إسرائيل اليهودية بتفليس داعميها الأقوياء في المؤسسات اليهودية ـ الأمريكية‏,‏ ويزعم آخرون أنه ماركسي خطط لضربته الكبري بعناية لكي يقوض دعائم وول ستريت ونزح البلايين إلي المنظمات الراديكالية وهنا يطرح السؤال نفسه‏:‏ هل يعرف أحد أين ذهبت هذه البلايين الخمسين من الدولارات الورق الأخضر‏.‏ د‏.‏ حمزة إبراهيم عامر