** لعلها من المرات النادرة التي يتخلي فيها رئيس دولة عن منصبه تحت ضغوط تحويله للتحقيق بتهمة ارتكاب مخالفات وسوء استغلال السلطة.. استقال برويز مشرف, الرئيس الباكستاني طواعية.. بعد أن أهاج كل القطاعات ضده.. باكستان هذه البقعة الملتهبة من العالم تقع في أتون النار.. تشارك أفغانستان حدودها.. وكذلك الهند وإيران وأجزاء من الاتحاد السوفيتي القديم.
** استولي برويز مشرف علي السلطة في انقلاب عسكري عام1999 وأطاح برئيس الوزراء آنذاك نواز شريف, ولم تكن سنوات حكم مشرف مفروشة بالورود.. بل كانت كلها أشواكا.. فقد شهدت فترة حكمه ما يسمي الحرب علي الإرهاب, وتحولت باكستان إلي قاعدة أمريكية للحرب علي قوات طالبان الأفغانية.. هذه الحركة التي عادت بكامل قوتها خلال الأشهر الأخيرة.. وأذاقت قوات التحالف هزائم عديدة.. كما أن نفس الحركة نفذت العديد من الهجمات الانتحارية داخل باكستان وحصدت أرواح ألف شخص من بينهم رئيسة الوزراء السابقة بناظير بوتو.
** برويز دافع عن حكمه بشدة, حيث قال في خطاب استقالته: لا يمكن إثبات أي تهمة ضدي لأنني لم أفعل أي شئ مطلقا لمصلحتي الشخصية.. بل كان كل شئ من أجل مصلحة باكستان.. فالقانون والنظام يسودان البلاد الآن.. وعلي خارطة العالم أصبحت باسكتان الآن دولة مهمة بفضل الله.
** أدرك برويز مشرف- وإن كان الوقت متأخرا جدا- أن اللعبة قد انتهت, ففي النهاية لم يعد حلفاء الرئيس السابق علي استعداد لمساعدته, كلهم تخلو عنه, زملاؤه في الجيش أو نواب حزبه ولا الحلفاء القدامي في واشنطن الأخطر من هذا وذاك أن مشرف فقد ثقة شعبه, حيث قال آخر استطلاعات للرأيإأن%80 من المواطنين يطالبون باستقالته.. والأكثر من هذا وذاك أن مشرف اصطدم بقطاعات كثيرة من المجتمع الباكستاني. اصطدم مع القضاة وأقال رئيس المحكمة الدستورية العليا, فهاج القضاة, وانتقل إلي المحامين وخرجت ضده مظاهرات حاشدة من هذا الفصيل تطالب بإبعاده عن السلطة.
** لم تكن سنوات حكم مشرف كلها قلاقل, فقد حظي لوقت طويل بشعبية واسعة في باكستان, حيث رحب الكثيرون بانقلابه العسكري ليس فقط في الطبقة الليبرالية, لكن في الطبقتين الوسطي والعليا, وذلك باعتباره مصلحا معتدلا.. وكان يزعم دوما بأنه كان يوقف الإسلاميين المتطرفين عند حدهم.. لكن ما تكشف بعد ذلك أن جنرالات الجيش كانوا يجنون في ظل حكمه الذي استمر عشر سنوات أرباحا مالية طائلة.
** أخطر ما فعله مشرف هو اصطدامه بالقضاة بدخوله في معركة مع افتخار شودري قاضي القضاة.. الذي استقل عنه وكان يصر علي المطالبة بالعمل بمبادئ دولة القانون.. ولم يتضامن القضاة والمحامون وحدهم مع المجتمع المدني والأحزاب السياسية وملايين من المواطنين, فقد أجبروا مشرف في الخريف الماضي علي الاستقالة من رئاسة أركان الجيش وعلي إجراء انتخابات حرة في فبراير الماضي.
** منذ نجاح ائتلافه الحكومي الحالي في الانتخابات ومشرف يتلقي الضربة تلو الأخري, فقد وصل أعداؤه إلي السلطة, عائلة بوتو ونواز شريف, الممثلان لحزب الشعب وحزب الرابطة الإسلامية, لقد لعبت السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا دور البطولة في المفاوضات التي أنهت المواجهة بين مشرف والحكومة, وانتهت بتقديم استقالته, لينهي بذلك فصلا من أكثر الفصول سخونة ودموية ودرامية في باكستان, وما بين انقلاب الديمقراطية علي الجنرال العسكري في إسلام آباد وانقلاب العسكريين علي الديمقراطية في موريتانيا هناك الكثير والكثير من الأسرار والأستار والتطورات.. وهذا حديث آخر